أكاديميون" خانوا الأمانة.. "خفايا" من قلب الحرم!
إسلام الأسطل ومرح الوادية
شبكة نوى، فلسطينيات: *ملاحظة: الأسماء الواردة في هذا التحقيق مستعارة لحساسية القضية
بدأت الحكاية عندما ضحِكت إحداهن بصوتٍ عالٍ، وهي تحكي لصديقتها في إحدى الكافيتيريات -حيث تواجدت إحدى معدّتَي التحقيق صدفة- أنها عادت منذ أشهر لتدرس في الجامعة من جديد بعد انفصالها!
في الحقيقة، لم تتعمّد الزميلة التلصُّص، لكن همسات الشابة كانت واضحة، وهي تقول في سياق الكثير من "الثرثرة": "تخيلي دكتور، كل ما بروحله المكتب علشان أراجعه بعلامة، أو أسأله عن شي، بيحكيلي زوجك ما عنده نظر، زوجك بيفهمش إنه طلقك. ومرة حكالي: هالجسم الحلو بدو علامة حلوة طبعًا".
الفتاة بدت ثلاثينية، جميلة، ومرتبة الهندام. عادت تُحدّث صديقتها كم كانت تستغرب لاختلاف تعامله معها عبر "واتساب"، "إذ يصبح رسميًا جدًا، ولا يرد إلا بالقليل". صمتت قليلًا ثم استدركت: "زرتُ مكتبه ذات مرة، فإذا به يقلب الحديث، ويدخل في تفاصيل حياتي، ويستفسر عن سبب طلاقي، ثم باغتني بسؤاله الفج: "يعني خلينا نحكي بصراحة. إنتي بتفكريش بالحاجات هديك؟"!
ضمن دوائر الطالبات الضيقة في جامعات قطاع غزة المختلفة، تدور "وشوشات" خافتة، حول تعرض بعضهن لشكل من أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي، وتشمل (التحرش- الابتزاز- الرشوة الجنسية).
وبحسب الشهادات التي وصلت مُعدّتَا التحقيق، انقسمت ردود أفعال الطالبات إلى عدة أقسام، فمنهن من تتقدم بشكوى ضد المُدرّس، ومنهن من تكتفي بالصمت خشية "الوصمة المجتمعية"، ومنهنّ من تقدم الشكوى وتسحبها خشية انتقام المدرّس، وهذا ما حدث مع كثير من الطالبات اللواتي حُفظت شكاواهن لعدم وجود دليل. على النقيض، بعضهنَّ اضطررن للانصياع خوفًا من الرسوب، أو رغبةً في الحصول على معدلٍ عالٍ، أو "اضطرارًا" بسبب عدم وجود حماية، أو نظام شكاوى فاعل يتيح مساءلة المدرس ومحاسبته.
وقبل الخوض في التفاصيل، فقد وجب التنويه، إلى أن التحقيق هنا لا يناقش "ظاهرة"، ولا يشير إلى جامعةٍ بعينها، ولكن حتى الحالات الفردية، التي يمكن أن تحدث داخل حرمٍ وُجد لإتمام فضيلة التربية، قبل التعليم، تفرض علينا -كسلطة رابعة- طرق جدران الخزان لتنبيه إدارات الجامعات، وإيجاد سبل شكاوى آمنة، تضمن حماية الطالبات، وسرية قضاياهن.
إن غياب اللوائح الداخلية في غالبية جامعات قطاع غزة حول محددات التعامل الأكاديمي بين المدرسين والطلبة، عزّزت فرص التورط بقضايا فساد مبنية على النوع الاجتماعي.
ن غياب اللوائح الداخلية في غالبية جامعات قطاع غزة حول محددات التعامل الأكاديمي بين المدرسين والطلبة، عزّزت فرص التورط بقضايا فساد مبنية على النوع الاجتماعي، وهذا ما يسعى التحقيق للدفع باتجاه إقراره في كافة جامعات فلسطين من أجل اعتماد سياسات واضحة بهذا الخصوص.
عندما قررنا طرق هذا الباب، لم يكن من السهل أن نعثر على طالباتٍ يمتلكنَ الجرأة للحديث، أو الإفصاح عن أي انتهاكات يمكن أن يكُنَّ قد تعرضن لها خلال دراستهنّ الجامعية، حتى أن بعضًا ممن قابلناهن، تراجعنَ عن أقوالهن التي كُنّ قد أٌخبرننا بها خشية أن يعرفهن أحد. إحداهن قالت: "أنا خايفة على سُمعتي. حقي يروح ولا إني أخسرها".
كان الخوف، والرغبة بطيّ هذه الصفحة، أو مسحها من الذاكرة يتصدران الموقف، هذا بالنسبة لمن تعرضن سابقًا لمواقف شعرن فيها بالامتهان، والضعف، وقلة الحيلة، والحيرة في كيفية التصرف وهنَّ اللاتي لا يعرفن كيف يحمين أنفسهنّ، أو يحفظنها من شخصٍ هو أعلى سلطة، "وقامة وقيمة"، في مجتمعٍ لا يرحم.
ما قد يثير الاستغراب في بعض القصص التي حصلنا عليها من فتيات، أو من عاملين "موثوقين" داخل بعض جامعات القطاع، أن بعض الطالبات، يمكن أن يتعمّدن سحب المدرّسين إلى محادثاتٍ مشبوهة، ثم ابتزازهم بها لرفع درجاتهن، أو ترفيعهن في المادة، "وهذا حدث" يقول أحد العاملين (ونتحفظ على ذكر اسمه) ، مستدركًا: "وأيًا كان، هذا لا يبرر للأستاذ انجراره لأي تجاوز" يستدرك.
(13)!!
في هذه القصة "ستحاول استيعاب ما أقوله ولن تصدق"، قالها شابٌ يعمل في مركزٍ مرموق بإحدى جامعات قطاع غزة (فضَّل عدم ذكر اسمه).
طالبة، متزوجة، جاءت تشتكي دكتور جامعي قالت إنه يتحرش بها، ويطلب منها "ممارسة الجنس" عبر الإنترنت. يعقب: "لا أدري إن كانت مدركة لما تفعله، كانت غاضبةً جدًا حتى فرطت خرزات العِقد كلها". قالت لموظف الدائرة المختصة بشئون الطلبة في جامعتها بنبرة انفعال: "يظن نفسه وحده؟".
أما عن ما كانت تقصده، فقد تكشّفَ تِباعًا داخل لجنة تحقيقٍ عُقدت بعد شكواها. "لقد اعترفَت بأن 13 محاضِرًا في جامعتها، متورطون معها في نفس القصة" يقول، "وكلهم لديها لهم تسجيلات" يُردف.
مقاطع فيديو خادشة للحياء، للفتاة وللمحاضِرين الـ13، وتسجيلات صوتية لألفاظ "رذيلة"، وصور لمناطق محددة من الجسم للطرفين -وفق مصدر "نوى"- كلها قدمتها الفتاة كدليل إدانة للأساتذة الذين بدأوا ينكرون علاقتهم بها، ويلومون شكلها وملابسها وطريقة كلامها كـ "بنت شِمال" على حد تعبير أحدهم.
ما يدهش المصدر حتى هذه اللحظة، أن الدوافع وراء القضية لم تكن "الإسقاط" تبعًا لما توصّلت إليه الجهات المختصة، "لكن الأكيد، أن الطالبة إن كانت غير واعية لما تفعله، فكان على الأساتذة أن لا ينساقوا". "إنهم 13 أستاذًا! هل تصدّقون؟" يتساءل بنبرة اندهاش.
على العموم، يؤكد المصدر أن الأساتذة ترواحت عقوباتهم جميعًا "حسب التورط بالعلاقة" بين الفصل الكامل، والفصل الجزئي، والإنذار بالفصل، والنقل من العمل الأكاديمي إلى الإداري.
في أرض فارغة!
عند بوابة الغرفة التي انتهت فيها للتوّ محاضرة الدكتور (ع) (54 عامًا)، عرقلت خروج الطالبات مجموعة تحلّقن حوله يسألنه عن بعض النقاط -غير المفهومة- في مساقه، لا سيما وأن الامتحان بات على الأبواب.
(س) ابنة العشرين عامًا، لم تلتفت كثيرًا لنظراته نحوها، حتى ناداها بعد مغادرة زميلاتها، وسألها عن عائلتها! "أليست هي التي تسكن في الحي الفلاني؟" (وذكَرَ اسمه). هزّت رأسها بالإيجاب، فباغتها على الفور بقوله: ممتاز، يعني طلعنا جيران. "لو بتحبي أنا مروّح، وممكن أوصلك معي".
تفكير الطالبة لم يصل بها إلى أبعد من أن تصل إلى بيتها برفقة معلمها وأستاذها، وأن تشكره بعدها كثيرًا، لكن ما حدث كان مختلفًا.. بل مرعبًا جدًا.
فجأة، انحرف الأستاذ عن مسار الطريق، وهو يبتسم مطمئِنًا الفتاة بأنه سيسلك بها طريقًا مختصرة. تسرد (س) ما حدث بعدها فتقول: "استقرّت السيارة داخل أرضٍ مزروعة، يبدو أنها ملكه. اقترب مني، وبدأ يتحرش بي. صرختُ وبكيتُ وجفّ ريقي خوفًا! ماذا يحدث؟ كيف امتلك الجرأة؟ بسرعة، فتحتُ باب السيارة، وخرجتُ أصرخ وأجري في طريقٍ لا أعرفها، حتى وصلتُ إلى الشارع العام، ومضيت نحو منطقتي بهدوء بعد أن رتبتُ نفسي ومسحتُ دموعي".
لم تتمكن (س) من البوح بما حدث معها لأحد، وخشِيَت أن تصير سيرتها "علكة" في أفواه زميلاتها لو هي تقدمت بشكوى لإدارة الجامعة، "فلن يصدق أحد أن هذا الأستاذ (المحترم) يمكن أن يفعل هذا، خصوصًا في ظل عدم وجود دليلٍ مادي، أو حتى شهود".
المدهش في القصة، هو ما حدث في اليوم التالي، حيث جاء الدكتور إلى محاضرته كالعادة يختال بمشيته. وقف وأعطى محاضرته متجاهلًا (س) تمامًا، حتى إذا ما انتهى، ناداها، وسألها إذا ما كانت تودّ اللقاء في شقة!
تتساءل: "ماذا يمكن أن أفعل في هذه الحالة؟ إنه يراهن على أنني لن أخبر أحدًا أو أشتكي، وسيستمر بمضايقتي، أو لعله سيرسبني في المادة"، مردفةً بانهيار: "أساتذتنا داخل الحرم هم أماننا، إذا ضاع أين نجده؟".
"بس تنام مرتي"!
ووفق الشابة (أ)، "تضطر كثيرات للرضوخ إلى تجاوزات الأساتذة من كلمات تُلقى على مسامعهم جزافًا، ولمس اليد بالقلم أثناء الشرح، أو غير ذلك من تلميحات، خشية التكذيب أو الرسوب في المادة". تستدرك: "لكن الفضيحة، وانتشار القصة بين الزميلات والأساتذة، وانقلاب الأمر على رأس الطالبة، واردٌ بنسبةٍ كبيرة، فمن سيصدق طالبة، ويكذب أستاذًا؟".
قصة (أ) باختصار، تتحدث عن أستاذٍ جامعي كان يدرّسها مساقًا خلال سنتها الدراسية الأولى. كانت تستغرب تقربه، ومساعدته لها بتلخيصات يخصّها بها قبل كل امتحان. بل إنه كان يساعدها على معرفة درجاتها، رغم أنها لم تكمل دفع الرسوم.
كانت الشابة سعيدة بهذا التفرّد، لكنها كانت متأكدة بأن في رأسه شيئًا يدور من ناحيتها، حتى حدث ذلك بالفعل.
تضيف: "فوجئت به مرةً يراسلني في وقتٍ متأخر، ولما رددت أجابني: اسمعي، لما تنام مرتي بكلمك". أثارت كلمته الأخيرة الشك في رأسها، وبدأ قلبها يخفق بقوة. حتى عاد، فطفق يخبرها عن زوجته: "مرتي مش مريحاني، مرتي ست بيت وبتهتمش بحالها، أنا بدي وحدة متلك حلوة وتريحني".
تتحدث الفتاة عن صوت ضربات قلبها التي قصّت سكون الليل، لقد ذهبت برفقة أختها الكبرى إلى الجامعة، ودخلت مكتب الدكتور بلا استئذان، ثم بدأت تصرخ في وجهه: "إنت واحد مش محترم، أنا قد بناتك، وإياك تتواصل معي بعد هيك فهمت؟".
تقول: "تركتُه في حالة ذهول، لكنني كنتُ متأكدة بأنني سأحصل على علامة متدنية تؤثر على معدلي، وبالفعل هذا ما حدث".
على أية حال، لم تكن الشكوى للجامعة بالنسبة لها خيارًا مطروحًا، "فالفضيحة لا تُنسى هنا، وحتى لو أثبتت صحة كلامي بالرسائل التي معي، لن أستطيع أن أقنعهم بأنني كنتُ أرد عليه في أوقات متأخرة من باب الاحترام، أو التفكير بأنه أستاذي، والأدهى لن أستطيع تفسير قبولي لاهتمامه الشديد بي، وتجاوزه قوانين الجامعة لأجلي، وبالتالي كان القرار قبول نقصان المعدل، والتكتّم على ما حدث".
من خلف الباب..
"كانت من أكثر الرسائل التي وصلتني صعوبة"، تقول الناشطة الحقوقية حلا شومان، "وكانت من شاب" تكمل.
في الرسالة التي جاءت ضمن سياق حديث مباشر لها (لايف) عن قضية التحرش جاء: "كنت وزملائي في طريقنا إلى مكتب العميد، وبينما نحن في الممر، خرجت منسقة القسم (طالبة)، فسبقتنا إليه تحمل بين يديها مجموعة أوراق. في الحقيقة رفضنا اقتحام خصوصية العمل، وآثرنا الانتظار حتى تخرج".
بعد مرور عدة دقائق -يكمل صاحب الرسالة- بدأنا نسمع صراخها من داخل الغرفة، "وكانت الصاعقة عندما فتحنا الباب. وجدناه في وضعٍ غير لائق، فلما رآنا، أدار وجهه نحو الحائط. هرَبَت هي بسرعة تبكي، ولملم هو نفسه وطلب منا الخروج على الفور".
على صعيد قطاع غزة، نشرت معدتا التحقيق استبانة إلكترونية، وزعتاها على صفحات بعض المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبات جامعيات أرسلت لهن بشكل شخصي، ساعدن في توزيعها، وبعد أكثر من شهرين، لم يصل "نوى" سوى 94 ردًا حتى موعد نشر هذا التحقيق، ما يدلل من جديد على خشية الطالبات اللاتي وصلتهن الاستبانة من الخوض في غمار القضية، "وفق العديد من الردود الشخصية لدى إرسالها لهن، ورفضهن ملأها".
استبانة إلكترونية
وفي رد الفئة المتجاوبة على السؤال: هل سمعتِ من طالبات، أو عن طالبات تعرضن لأي شكل من أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي داخل الجامعة؟ (تحرش-ابتزاز-رشوة جنسية)، أجابت نسبة (40.2%) بـ"نعم"، بينما أجابت (59.8%) بـ "لا"، وكان من بين (29 قصة) أوردتها الفئة التي أجابت بـ "نعم" هذه الملخّصات:
- أستاذ جامعة تحرش بأختي ونزع الها الشالة.
- تحدثت مع دكتور حول التخصص وأثناء الحديث حاول تغيير المحادثة. بدأ بالتحدث عن الجنس والنساء والفتيات، ثم قمت بحظر ذلك الدكتور.
- كان يبعتلي ع الفيس، وطلب مني نلتقي بشقه بعد الكثير من الإقناع.
- طالبة تسأل المحاضر عن سؤال ما، فيجلس بجانبها من غير ترك مسافة أو إذن.
أما في الرد على السؤال: هل شاهدتِ (رؤيا العين)، ما يمكن اعتباره شكلًا من أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي خلال فترة الدراسة الجامعية؟ أجابت ما نسبته (30.9%) بـ"نعم"، و(69.1%) بـ"لا"، وكان من ضمن المشاهدات التي ذكرتها بعض من أجبنَ بـ "نعم" الملخّصات التالية:
- هناك أكثر من دكتور من الذين يُدرسونني مساقات التخصص يغازلون الفتيات (تحرش لفظي) بطرق مباشرة وغير مباشرة، فمثلًا: بعضهم كانوا يحاولون ملامسة أيادي البنات وكنت ألاحظ هذا بشدة، إذ يكون معه قلم، لكنه مع ذلك يقوم عن كرسيه وينتزع القلم من يد فتاة معينة (عادة تكون فتاة حسناء أو أنيقة جداً).
- كانت البنت خارجة من مكتبه، تبكي وخائفة، وذهبت إلى عميد الكلية.
- سمعتُ أكثر من دكتور وهم بيحرجو الطالبات المتزوجات، وبيحكو معهم بمواضيع خاصة، الدكتور سأل زميلتي قدام كل الطلاب شو حوشتي؟ "حوشتي معناها حملتي بس بطريقة مقرفة".
وفي معرض إجابة الفئة المستهدفة على السؤال: "في حال تعرضتِ، أو سمعتِ عن طالبات تعرضن لأحد أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي.. كيف تصرفتِ؟ أو كيف تصرّفن؟". وصل "نوى" 34 ردًا، من ضمنها:
- تجاهل الموقف ومحاولة النسيان، لم يتم اتخاذ أي إجراءات.
- التزمت الصمت.
- مرة اشتكيت للإدارة، المبتز كان حاصل على درجة الدكتوراة ومدير مساعد، المدير قلي عارف إنك صادقة بس في ناس قادرة تقلب الحقائق وقصده عنه.
- حاولت التواصل مع عميد الكلية ومحاولة حل المشكلة.
وعطفًا على السؤال السابق، فقد أجابت ما نسبته (90.7%) على السؤال: هل تقدمتِ بشكوى لإدارة الجامعة؟ بـ "لا"، بينما أجابت (9.3%) بـ "نعم"، ليتبعها 11 فقط ردًا بتفاصيل تؤكد أن "الجامعة لم تفعل شيئًا في هذا السياق"، بل إن إحداهن أردفت: "لا، وطلعت أنا الغلطانة".
وأرسلت 35 فتاة ردودًا بررت فيها سبب عدم تقديم الشكاوى بالخوف من الفضيحة، أو عدم الثقة بإسناد ودعم الإدارة، أو لخشيتها من معرفة أهلها وبالتالي منعها من الذهاب إلى الجامعة، أو للخوف من الرسوب في المادة كانتقام من المدرّس، أو تكذيب المدرّس لها، وقلب الحقيقة.
(34) ردًا وصلت على السؤال: حسب تجربتك أو تجارب زميلاتك، أو ما سمعتِه من المحيط، كيف يتم التعامل في الجامعة مع مثل هذه الحالات؟ غالبيتها العظمى تتحدث عن إهمال الشكوى، أو تستُّر الجامعة على المحاضر، وأحيانًا اتهام الفتاة بتعمدها تشويه صورته، وسمعة الجامعة، وتهديدها بعدم فتح الموضوع ثانيةً، والالتزام بمحاضراتها وإلا..، أو الاكتفاء بإنذار الأستاذ في أحسن الأحوال.
وعلى السؤال: هل عرفتِ عن أستاذ جامعي، عوقب بالإيقاف عن العمل، أو الفصل، أو حتى التنبيه، بسبب ممارسته أحد أشكال الفساد سابقة الذكر (تحرش-ابتزاز-رشوة جنسية)؟ أجابت ما نسبته (27.5%) بـ "نعم"، و(72.5%) بـ "لا"، وهذا له دلالاته.
(47.8%) حسب نتائج الاستبانة، لا يعرفن إذا ما كانت صفحة جامعتهم الإلكترونية، تتضمن أي أيقونةٍ خاصة باستقبال شكاوى الطلبة، بينما تقول (35.6%) إنه يوجد واحدة. في الوقت ذاته لا تعرف (21.1%) ما إذا كانت جامعتهن، قد عقدت أي ورشات توعوية للطالبات الجديدات، حول الفساد المبني على النوع الاجتماعي، وآليات التعامل حال تعرضهنّ لأي شكل من أشكاله؟ بينما أجابت ما نسبته (17.8%) بـ "نعم" عقدَت ورشات، و(61.1%) أجابت بـ "لا".
فإن كانت الجامعات تعتمد هذا النمط في التوعية بقضايا الفساد المبني على النوع الاجتماعي، ولا يعرف عنها الطلبة، لا بد لإدارات الجامعات مراجعة تسويقها لفعالياتها، ودعواتها بشكلٍ فاعلٍ أكثر.
وترى (96.8%) أن الطالبات بحاجة لهذا الشكل من أشكال التوعية، بينما تؤمن نسبة 89.2% بوجوب إقرار سياسات داخلية للجامعات في قطاع غزة، توضح آلية التعامل بين الطلبة والمدرّسين فيها، بينما تؤكد ما نسبته 95.5% أن وجود نظام شكاوى إلكترونية بالجامعة، يمكن أن يتيح مساحة أكبر للطالبات لتقديم شكاوى حال تعرضهن لأي شكل من أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي (تابع/ي باقي النسب في نهاية التحقيق).
د.حمدان: "لا جامعة تخلو"
وفي إطار البحث عن الإجراءات التي تتّبعها جامعات قطاع غزة، في حال وصلتها شكاوى من طالبات، حول تعرضهن لأحد أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي، أجمعت خمس جامعات في مقابلات منفصلة مع معدتَي التحقيق، على أنها تتخذ إجراءات صارمة إزاء أي تجاوز يمكن أن يثبت بحق أي عضو من أعضاء الهيئة التدريسية، أو أي موظف داخل الجامعة.
لم ينف مدير الشؤون الثقافية، والعلاقات العامة في جامعة الأقصى تعرض بعض الطالبات للمضايقات من قبل محاضريهن في الجامعة
كانت جامعة الأقصى وجهتنا الأولى، حيث لم ينفِ د. محمد حمدان، مدير الشؤون الثقافية، والعلاقات العامة، تعرض بعض الطالبات للمضايقات أو ما أسماه "المعاكسات" من قبل محاضريهن في الجامعة، قائلًا: "يكذب من يقول إن أي جامعة تخلو من هذه الحوادث، لكن يبقى الفيصل في طريقة التعامل معها، وكيفية متابعتها وحلها".
على صعيد جامعته، يخبرنا بوجود صندوق شكاوى، متاح لجميع الطلبة من الجنسين، "لكنه لا يعطي معلومات تواصل مع الطرف المشتكي، وهذا عيبه، ولا يتيح إرفاق أدلة".
بصورةٍ موازية، يتحدث د.حمدان عن طالبات يتوجهن بشكل رسمي "لكن ودّي" للجهات المختصة داخل الجامعة، لبث شكاواهن حول مضايقات يتعرضن لها من قبل بعض الأساتذة، "مع التشديد -من طرفهن- على عدم فتح ملفات بأسمائهن، حتى لو كُنَّ على حق" يعقب.
د.حمدان: نقنع الطالبات بتقديم شكاوى رسمية لكن معظمهن يرفضن الخيار تمامًا وهذا يعيق رد حقوقهن
ويضيف: "في حال كان الأمر تجاوزًا أخلاقيًا كبيرًا، نحاول إقناع الطالبة بتقديم شكوى رسمية، لتبدأ لجنة الضبط عملها، ويتحول الموضوع لملف رسمي يعاقَب عليه المذنب"، مستدركًا: "لكن معظمهن يرفضن هذا الخيار تمامًا، وهذا يعيق رد حقوقهن، أو إدانة المدرس المتورط".
في الشكوى الرسمية، يتطلب من الفتاة المشتكية في جامعة الأقصى -وفق مدير العلاقات العامة- تقديم الدلائل والإثباتات، من أجل اتخاذ قرار نافذ لاحقًا بعد استجواب كافة الأطراف.
ويؤكد لـ "نوى" "وجود معاكسات إلكترونية وقعت بشكل متبادل بين طالبات وأساتذة، "لا سيما خلال فترة الجائحة"، وعن العقوبات يقول: ""أقصى عقوبة تفرضها الجامعة بعد التحقيق بالشكاوى الرسمية، هي الفصل التام".
وبخصوص وضع لوائح ضابطة، أو مدونات سلوك، وتعميمها داخل الجامعة بين الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية، يلفت د.حمدان إلى "أن ما يُصعّب حدوث ذلك هو الانقسام، حيث تتحدث جهة عن محاولة حل هذه الإشكاليات، بينما الجهة الأخرى ترى نفسها مستَهدَفة، وتصف التقارير التي تصلها بالكيدية".
د. شادي عويضة: "رقابتنا داخل إطار الجامعة"
وإلى جامعة فلسطين، حيث التقت معدتا التحقيق نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية والأكاديمية، د. شادي عويضة، الذي شدد على رفض الجامعة أي تصرفات يمكن أن تسيء للعادات والأخلاق والقيم الفلسطينية، ملفتًا إلى "آليات واضحة للمحاسبة تمتلكها الجامعة في هذه القضايا".
وذكر عويضة أن عمادة شؤون الطلبة، تعد الوجهة الرسمية لأي شكوى لدى أي طالبة، "ولدينا في الجامعة موظفات متخصصات، للتعاطي والتعامل مع الطالبات، موزّعات في جميع مباني الجامعة" يقول.
د.عويضة: محددات ضبط التعامل بين الطالبات والأكاديميين تشمل السلوكيات العامة
وفي معرض رده حول المحددات التي تضعها الجامعة لضبط طريقة التعامل بين الطالبات والمحاضرين، أشار إلى أنها "محددات عامة" ضمن أنظمتها الداخلية، وتشمل السلوكيات العامة، منبهًا إلى أن الجامعة"لا تملك آليات رقابة على المحاضِرين والطلبة خارج إطارها، لكنها تحرص على التزام الجميع داخل حرمها، بالمحددات والنظم المتعارف عليها".
وأقر عويضة بعدم وجود صندوق شكاوى رسمي، وهو كما د.حمدان، يراه "غير مُجدٍ"، "لا سيما لو كُتِبت الشكوى بدون ذكر اسم صاحبها"، واعدًا معدتي التحقيق بدراسة فكرة تفعيل صندوق شكاوى إلكتروني، مع ضمان السرية الكاملة.
ويشير إلى أن "جميع مكاتب الجامعة مفتوحة أمام الطالبات للشكوى حول أي تجاوز أو مضايقات يمكن أن يتعرضن لها"، ملفتًا إلى أن "وجود حالة من التجاوز، لا يعني أن الفساد الأخلاقي مستشري في أي جامعة".
مدونة سلوك وصندوق "فضفضة"
في الجامعة الإسلامية، التقينا رئيس التدريب والتطوير والجودة الإدارية جبر أبو صبحة، الذي تحدث عن صندوق إلكتروني خاص بالجامعة باسم "فضفضة"، "وهو مفعل، ويضمن السرية التامة للمشتكين"، لكنه ينفي تمامًا ورود أي شكوى إليه، حول وقائع تحرش أو ابتزاز، أو رشوة الجنسية.
ويؤكد أبو صبحة، بأن جامعته لا يمكن أن تتهاون مع أي قضية فساد، "لا سيما إذا كانت أخلاقية"، منبهًا إلى أن الجامعة الإسلامية تمنع إغلاق أبواب المكاتب منعًا تامًا على أستاذ وأي طالبة، أو حتى مجموعة طالبات، "ومن يثبت عليه من العاملين، أو أعضاء الهيئة التدريسية أي تجاوز، فإن الجامعة تتخذ بحقه الإجراء المناسب".
د.المناعمة: الجامعة وضعت لوائح واضحة، ضمن مدونة السلوك الخاصة بها، المكونة من 16 مادة، أتت على ذكر التحرش بشكلٍ صريح.
وبينما تجد بعض الجامعات حرجًا من وضع آليات حماية واضحة من التحرش، أو أي شكل من أشكال الفساد المبني على النوع الاجتماعي، يؤكد د. عبد الرؤوف المناعمة، مدير دائرة الجودة والتطوير في الجامعة الإسلامية، أن الجامعة وضعت لوائح واضحة، ضمن مدونة السلوك الخاصة بها، المكونة من 16 مادة، أتت على ذكر التحرش بشكلٍ صريح.
بمراجعة المدونة، فقد ورد في البند (ج) من المادة رقم (5)، "الامتناع عن استخدام أي نوع من أنواع التحرش اللفظي، أو الجسدي، بحق أحد الموظفين أو الطلبة أو الجمهور الخارجي، أو أي من متلقي الخدمة"، بينما شدد البند السابع في المادة الثالثة، على الالتزام بالنزاهة والموضوعية والشفافية في إدارة التقويم العلمي للطلبة، ومعاملة الطلبة كلهم بقاعدة المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص، دون تمييز.
وتضع مدونة السلوك التي يمكنكم الاطلاع عليها عبر هذا الرابطمدونة سلوك العاملين بالجامعة الإسلامية حدًا لأي تجاوزات، على أي خلفية كانت.
يؤكد المناعمة، أن الجامعة تتبع إجراءات صارمة، يمكن أن تصل لحد الفصل تمامًا، إذا ما تبث أي تورط في هذا الشأن على قاعدة أن لا أحد فوق القانون، داعيًا الطالبات إلى عدم التواني عن تقديم شكاوى في أي موقف يمكن أن يشعرن فيه بشبهة فساد.
الإسراء والقدس: "لا شكاوى"
وبالرغم من أن جامعة القدس المفتوحة، بغزة، تعتمد نظام التعليم المفتوح، بحيث لا تفرض الدوام الوجاهي الرسمي على الطلبة لديها، إلا أنها تعتمد نظام شكاوى إلكترونية، وفق ما يؤكد ياسر عودة، رئيس قسم شؤون الطلبة فيها.
وينفي عودة، تسجيل أي شكاوى مختصة بالفساد المبني على النوع الاجتماعي في جامعته، "بل إن الأساتذة في غالب الأحيان لا يعرفون الطلبة والطالبات، ولا يتعاملون معهم بشكل مباشر" يقول مشيرًا إلى أن الجامعة لا تحتاج لمدونة سلوك ضابطة نظرًا لاختلاف نظامها التعليمي، "إلا أنها لن تضر إن وجدت، في حال عمل عليها التعليم العالي، وأقرّ نشرها في كافة جامعات الوطن".
ويؤكد حجازي القرشلي، المستشار القانوني في جامعة الإسراء، أن الجامعة منذ إنشائها خصصت مدونة سلوك لأعضاء هيئتها التدريسية، تغطي كل ما يتعلق بالسلوكيات المطلوبة من قبل المحاضرين، وكذلك الحال بالنسبة للموظفين الإداريين، وموظفي العقود.
ونبه إلى أن الجامعة تعتمد نظام التقييم الإلكتروني للمحاضِرين من قبل الطلبة، نهاية كل فصل، وهو ما يعطيها أريحية في اتخاذ قرارات بشأن تجديد العقد أو إنهائه، "وهذا برأيي يضع حدًا لأي سلوكيات يمكن أن تخرج عن نطاق القيم والأخلاق"، ملفتًا إلى أن "الجامعة لم تشهد أي تجاوز بهذا الخصوص، لكنها لن تستطيع أن تفعل شيئًا حتى لو عرفت إلا إذا تقدمت الطالبة بشكوى رسمية".
للجامعات حق التصرف
توجهت معدّتا التحقيق لوزارة التربية والتعليم العالي، حيث أكد د. خليل حماد مدير عام التعليم الجامعي، أن الوزارة تُعطي مساحة للجامعات لاتخاذ التدابير اللازمة، وفي ذات الوقت تكون على دراية كاملة بكل الإجراءات فيما يتعلق بقضايا الفساد المبني على النوع الاجتماعي، "وفي حال تبين تقاعس أي جامعة عن وضع حد، أو معالجة للقضية، تضطر الوزارة للتدخل، وتشكيل لجنة مختصة للتحقيق، واتخاذ المقتضى القانوني المناسب" يستدرك.
د.حماد: "في حال تبين تقاعس أي جامعة عن وضع حد، أو معالجة للقضية، تضطر الوزارة للتدخل، وتشكيل لجنة مختصة للتحقيق، واتخاذ المقتضى القانوني المناسب".
وشدد حماد في هذا الشأن، أن "الحالات نادرة، ولا تشكل ظاهرة"، ملفتًا إلى أن هذه القضايا تعالج بسرية تامة، حفاظًا على السلم الاجتماعي، متعهدًا بدراسة موضوع إقرار مدونة سلوك، بالتعاون مع كافة الجامعات، ووضع آليات حماية واضحة، ضمن ضوابط ونظام سلوكي كامل.
ورغم التناقض الكبير بين نتائج الاستبانة، وما ورد على ألسنة معظم المختصين في الجامعات التي قابلت معدتَي التحقيق، إلا أن النقطة الجامعة بين الوجهتين، هي تخفّي هذه القصص داخل عباءة الخوف المجتمعي، والخشية من الفضيحة، وتابوهات السمعة "البراقة".
وفي الوقت الذي تخشى أو -تتجاهل- فيه غالبية مؤسسات التعليم العالي في غزة، وضع لفظ "التحرش" صراحةً ضمن مدوناتها السلوكية وأنظمتها الداخلية، بما يحدد آليات الحماية منه، يلفتك "الوضوح" في نموذج مدونة السلوك التي تنشرها جامعة "بيت لحم" وعنوانها: "سياسة الحمايةُ من التحرّش والإساءة والإيذاء الجنسيّ"،سياسة الحماية من التحرش، حيث تؤكد أن "التحرّش" سلوك مرفوض ومُستنكر، ويترتب عليه انتهاك كرامة الفرد، أو خلقِ بيئةِ عمل معادية، أو مهينة، أو متعالية، أو عنيفة، مبينةً أشكاله، وعقوبة مقترفيه كجريمة نكراء.
إن وجود حالات تعرضت لأي نوع من أنواع الفساد المبني على النوع الاجتماعي داخل أي جامعة، لا يعيب الجامعة نفسها، بل ما يمكن أن يعيبها تهاونها في اتخاذ التدابير في الوقاية منه أساسًا، قبل علاجه، وهذا ما يعيدنا إلى المربع الأول الذي انبثقت منه فكرة هذا التحقيق، والمتعلقة بـ" وجوب إقرار لوائح داخلية، حول محددات التعامل الأكاديمي بين المدرسين والطلبة، وسياسات حماية آمنة، ونظام شكاوى فاعل، في أسرع وقتٍ ممكن.
أعد هذا التحقيق لصالح الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)