الرئيسية »

لماذا سقطت أسماء ذوي شهداء من مكرمة حجاج غزة؟

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

بعد نشر الرابط الإلكتروني للتسجيل بمكرمة الحج للعام 2024م، سجّل أحمد (اسم مستعار) بياناته، إلا أنه لم يحظ بفرصة أداء الفريضة، "رغم انطباق كافة الشروط عليه" وفق ما قال.

ولأن دولة الاحتلال الإسرائيلية، سيطرت مطلع مايو/ أيار الماضي على معبر رفح، المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة إلى العالم، أعلن مكتب قاضي قضاة فلسطين فتح باب المكرمة لأهالي الشهداء المتواجدين في جمهورية مصر العربية، ليُفتح بعدها الباب لمن هم خارجها أيضًا.

وتشنُّ "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حربًا على سكان قطاع غزة، طالت السكان والمباني والبنية التحتية، والمعابر، وقد استشهد جراءها حتى الآن 40 ألف شهيد، فيما أصيب نحو 90 ألف إنسان بجراحٍ متفاوتة معظمهم من الأطفال والنساء.

يتساءل أحمد الذي فقد سبعةً من أفراد عائلته (4 منهم من الدرجة الأولى) خلال الحرب على غزة: "لماذا سقط اسمي من بين المسجلين رغم استحقاقي المكرمة؟"، ملمحًا خلال حديثه إلى استفادة أسماء لا تنطبق عليها الشروط من مكرمة خادم الحرمين الشريفين، وهو الأمر الذي تناقله العشرات، ووجب فيه البحث.

يحكي أحمد الذي سجل عبر الرابط الإلكتروني الذي انتشر في منصّات التواصل الاجتماعي، بأنه حصل على إفادةٍ مؤقتة باستشهاد أفراد عائلته من وزارة الصحة بغزة، وأرفقها بطلب التسجيل، مستوفيًا بذلك كل البنود المطلوبة، قائلًا: "شقيقي أيضًا قدم لنفس المكرمة لكن لم يُنشر اسمه".

وأضاف: "لدي صديق كذلك لم يستفد من المكرمة، رغم فقدانه 3 أقرباء من الدرجة الأولى"، مردفًا بقهر: "كنت أتمنى الذهاب وأداء الفريضة، والدعاء لأهل غزة ولجميع الشهداء والجرحى".

فقد أحمد 7 من أفراد عائلته في حرب الإبادة، لكنه لم يحظ بفرصة الحج رغم انطباق كافة شروط المكرمة عليه.

 

وتساءل بانفعال: "كيف يُقبل الحج من أشخاص لا تنطبق عليهم الشروط؟"، مشيرًا إلى أنه لن يسامح في حقه بأداء الفريضة هذا العام، وسيسائل كل من كان سببًا في ذلك يوم القيامة على حد تعبيره.

ريم أبو جامع أيضًا، التي فقدت والدها ووالدتها وشقيقتها خلال الحرب في غزة، لم تترك وسيلةً إلا وسجلت من خلالها للمكرمة، وقالت: "كنت أريد أن أذهب لأتجاوز الوضع النفسي الصعب الذي أمر به بسبب خسارتهم (..) هذا استحقاق طبيعي لمن فقدت أبويها، وقد سجلت في الرابط، ومن خلال شركات الحج والعمرة أيضًا، وعبر أشخاص كلفوا بجمع الأسماء وإرسالها للسفارة الفلسطينية في القاهرة، ورغم ذلك لم يحالفنِ الحظ".

بحثت أبو جامع عن اسمها بين مئات المستفيدين من المكرمة، وكانت الصدمة أن اسمها غير موجود! في تلك اللحظة باغتها شعور لا يمكن وصفه -والحديث لها- "فهذا حق أبناء الشهداء الذين سالت دماؤهم، وليس منَّة من بشر" تضيف.

تتحدث ريم عن "شبهات فساد" في انتقاء أسماء الحجاج، وعدم الالتزام بالشروط المعلن عنها في الاختيار.

 

وتتابع: "أصل المكرمة للشهداء وليست للفسح، أو لأشخاص يذهبون كل عام"، متحدثةً عن ما أسمته بـ"شبهات فساد" لدى القائمين على انتقاء الأسماء دون الالتزام بالشروط، وعلى رأسها أن يكون المتقدم من ذوي الشهداء، ويفضل أن يكونوا من الدرجة الأولى.

وزادت: "هناك من ذهب باسم المكرمة ولم يكن لديه شهداء، مثل أطفال وأزواج وأشخاص من خارج مصر، جرى التنسيق لهم عند وصولهم للمطار".

وفقد إسماعيل (اسم مستعار) جميع أفراد أسرته خلال الحرب الجارية، وأكد أنه سجل عبر الرابط الرسمي الذي نشره ديوان قاضي قضاة فلسطين بالتعاون مع السفارة الفلسطينية في القاهرة.

وبالفعل كان اسم "إسماعيل" من بين الحجاج الذين يُفترض أن يغادروا إلى الأراضي الحجازية؛ لأداء مناسك الحج. في تلك اللحظة شعر بالفرح، بعد أشهر طويلة من الغرق في حزن الفقد، ليفاجأ بعدها بعدم إصدار تأشيرةٍ له للدخول إلى السعودية.

وأضاف: "تابعتُ الكشف الصادر عن مكتب قاضي قضاة فلسطين، ومن خلال معرفتي الشخصية ببعض الأسماء المُدرجة في القائمة، أيقنتُ أن هناك ضعفًا في الشفافية والنزاهة، وعدم التزام بالمعايير والشروط المطلوبة للتسجيل في المكرمة"، متهمًا موظفي سفارة فلسطين بالقاهرة، المكلفين بإجراءات الحصول على تأشيرة الدخول إلى السعودية بـ"الإهمال"، "وهذا سبب التأخر في إصدار التأشيرة" يعقب.

ويرجو "إسماعيل" إعادة النظر ومتابعة هذا الملف بشكل جدي من قبل الرئيس محمود عباس مباشرة، وتشكيل لجنة تحقيق نزيهة؛ لمحاسبة كل من كان مسؤولًا عن ما أسماها بـ"هذه المهزلة"، "وإرجاع حقوق من ضحوا بدمائهم من أجل هذا الوطن".

شاهدة عيان: "أعرف بشكلٍ شخصي، ابن جريح، أصيب جراء وقوعه من شرفة منزله في يومٍ عادي، خرج للحج، وتبين لاحقًا أنه له صلة قرابة بقاضي القضاة".

 

أما فيما يتعلق باختيار أسماء لم تستحق، قالت شاهدة عيان (رفضت ذكراسمها)، أنها تعرف بشكلٍ شخصي، ابن جريح، أصيب جراء وقوعه من شرفة منزله في يومٍ عادي، تبين لاحقًا أنه له صلة قرابة بقاضي القضاة -وفق روايتها.

وتحدث آخر، قدِم إلى مصر قبل الحرب برفقة ابنته، وله عدة معارف، عن تلقيه اتصالًا من أحد موظفي السفارة الفلسطينية بالقاهرة، يطلب منه فيه المتصل إحضار جواز سفره كي يحظى بمكرمة الحج، علمًا أنه لم يفقد أحدًا من أقاربه في قافلة الشهداء، مبررًا موافقته على الذهاب بقوله: "هما اللي رنوا عليا بدي أقولهم لأ؟!".

وكان خادم الحرمين الشريفين، أصدر أمره باستضافة 1000 حاج من ذوي الشهداء والمصابين من أهالي قطاع غزة؛ لأداء مناسك الحج لهذا العام بشكل استثنائي.

وقد رصدت معدة التقرير عدة منشورات وتعليقات عبر منصة "فيسبوك"، لأشخاص من ذوي الشهداء، كانوا قد سجّلوا في المكرمة، وعبروا عن استيائهم الشديد جراء فقدانهم هذا الاستحقاق.

وفي ضوء ما سبق، تواصلت معدة التقرير مع الجهات المسؤولة، بدءًا بوزارة الأوقاف الفلسطينية ممثلة بوكيل الوزارة حسام أبو الرب، الذي قال في تصريح سابق له إن "ظروف العدوان على غزة، والحرب، وإغلاق المعابر، حرمت هذا العام حجاج قطاع غزة من الحج"، ذاكرًا أن تعداد حجاج فلسطين هذا العام بمن فيهم "الإداريون والبعثات المرافقة المختلفة"، وصل إلى نحو 4500 حاج/ـة.

أما فيما يتعلق بالحجاج من ذوي الشهداء وآلية اختيارهم، فقد أكد أن "لا علاقة للوزارة بهذا الملف".

في حين، رفضت رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، انتصار الوزير، التعليق على الموضوع، وأجّلت الحديث عنه لما بعد الحرب.

وبالنسبة لموظف السفارة الفلسطينية بالقاهرة، طارق حسونة، المخوّل بالحصول على التأشيرات، قال: "إن دور السفارة مُساعِد، ومكتب قاضي القضاة هو المسؤول عن هذا الملف". 

ولهذا جرى التواصل مع د.محمود الهباش "قاضي قضاة فلسطين" عدة مرات، إلا أنه لم يقدم أي رد بهذا الخصوص.

ومن جانبه قال المدير الإقليمي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في قطاع غزة وائل بعلوشة: "تمت متابعة الأمر المتعلق بمكرمة الحج لهذا العام، ونظرًا للحالة المعقدة التي يمر بھا قطاع غزة بفعل حرب الإبادة التي یمارسھا الاحتلال، ونظرًا لإغلاق معبر رفح، فقد أحاط الأمر بعض الغموض في المعاییر، ما أضعف شفافية العملية"، مضيفًا: "إن تدخل أطراف متعددة في إدارة المكرمة، أضعَفَ قدرة ذوي العلاقة والمؤسسات الرقابية على المساءلة، وعليه، یجب أن یتم توضيح الإجراءات التي وُزعت المكرمة بناءً علیھا".

وتحدث بعلوشة عن دور "أمان" التي تابعت على مدار الأعوام السابقة وباهتمام عالٍ ملف الحج، وقدمت العديد من التوصیات، التي نُفِّذ جزءٌ منها، مبينًا أن ھذا العام شھد تراجعًا كبيرًا في شفافية إدارة ھذا الملف، نظرًا للوضع الاستثنائي بغزة.

أمان:"لا یمكن أن نجزم بوجود شبهة فساد في هذا الملف، ولكن يمكن الحديث عن ضعف في شفافية إدارة الملف".

 

وأضاف: "أنه لا یمكن أن نجزم بوجود شبهة فساد في هذا الملف، ولكن يمكن الحديث عن ضعف في شفافية إدارة الملف، ولهذا ستتابع أمان من خلال أدواتها المختلفة، التي من أهمھا الطلب من جھات الاختصاص مزیدًا من المعلومات، والرد على استفسارات المواطنين، وتطبيق التوصيات ذات الصلة التي طورتھا أمان في أوقات سابقة".

ووفقًا للتوصيات التي تقدمها "أمان" من أجل إدارة ملف الحج في الأعوام القادمة، فإنه يجب الإعلان عن المعايير والشروط بدقة، وإدارة الملف بشكل مركزي من قبل وزارة الأوقاف، وإتاحة الفرصة للمواطنين لتقديم الشكاوى والرد علیھم وفق الأصول.

ويشير الائتلاف، إلى أهمية تقدیم تقاریر واضحة حول إدارة الملف للمراقبين وأصحاب الشأن، وجودة اختیار ذوي الشھداء في السنوات القادمة، من خلال دقة الشروط، والتأكد بصرامة من انطباقها عليهم، بعيدًا عن الواسطة والمحسوبية.

وتشدد توصيات "أمان"، على ضرورة توفير لجنة رقابية مختصة، مكونة من الجهات الحكومية، تشرف على عملية اختيار الأسماء، وكذلك إشراك مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة من أجل توفير مبدأ الشفافية والنزاهة.