ابتزازا ومزاجية في تحديد قيمة العُملة!
غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"هذه حربٌ أخرى" يقول مرزوق فياض بانفعال، واصفًا مشكلة السيولة وتحويل الأموال من وإلى قطاع غزة. ويتساءل مستهجنًا: "لماذا يُستغل المواطن من جميع الجهات دون رقيب أو حسيب؟".
يخبرنا الرجل أن حوالةً وصلته عن طريق شركة الاتحاد الغربي للمعاملات المالية وخدمات الاتصال (ويسترن يونيون)، وكان قد طلب من صاحبها أن يرسل المبلغ بعملة الشيكل، "لكنني حينما ذهبتُ لاستلام المبلغ من أحد مكاتب الصرافة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، أخبروني أن حساب الشيكل توقف وأن علي أخذ المبلغ بالدولار" يستدرك.
يتابع غاضبًا: "هنا، حوّل المبلغ من شيكل إلى دولار على حساب 335 شيكلاً للمئة دولار، بمجموع خصم 159 شيكلًا من كامل المبلغ، ناهيكم عن أن المرسل أصلًا دفع عمولة الإرسال من الخارج".
ويعاني سكان قطاع غزة، منذ بدء حرب الإبادة في السابع من تشرين أول/أكتوبر من العام 2023م، مشكلة السيولة النقدية، في ظل انهيارٍ تام للنظام الاقتصادي، وتذرع أصحاب محلات الصرافة بظروف الحرب؛ لرفع النسبة التي يحصلون عليها جراء تحويل الأموال من وإلى القطاع.
يتحمّل المرسل والمستلم هامشًا من الخسارة من إجمالي المبلغ بسبب اقتطاعات التحويل، وعدم توفر الدولار بغزة.
ويتحمّل المرسل والمستلم هامشًا من الخسارة من إجمالي المبلغ بسبب اقتطاعات التحويل، وعدم توفر الدولار بغزة، عوضًا عن الفروقات في سعر الصرف عند التسليم بالشيكل بين مناطق الوسطى ورفح جنوبًا، ومدينة غزة وشمال القطاع نتيجة صعوبة الوصول إلى هناك.
وإن افترضنا أن يصبح مفهوم الخسارة بالنسبة للمرسل والمستقبل "طبيعيًا" في ظل حربٍ ضروس، إلا أن ارتفاعها المستمر والمتزايد واللامنطقي في بعض الأحيان، نتيجة تدمير الاحتلال معظم محال الصرافة، التي تستقبل وتقدم للمواطنين خدمات تحويل الأموال، جعل المواطن يشعر بضغطٍ ماليٍ متزايد، "والرضا القسري عن أي مبلغٍ يُحصله من المبلغ المرسل له، ولو بخسارةٍ فادحة".
ودمّر الاحتلال معظم البنوك وفروعها في مختلف مدن ومحافظات قطاع غزة، إلا فرعًا واحدًا لبنك فلسطين تركه لقرابة مليوني إنسان احتشدوا جنوب وادي غزة منذ بدء الحرب بدعوى تحديدها "كمنطقة آمنة"، ما جعل محلات الصرافة تبدأ بالعمل بتركيز في المنطقة الوسطى والجنوب، من خلال استئجار أماكن مؤقتة، "وهنا بدأت عملية الاستغلال لحاجة المواطن، بحجة عدم توفر السيولة في قطاع غزة؛ ذلك لزيادة عمولة الصرف".
"بدأت بإرسال المال لأهلي في غزة بعمولة 5%، ثم بدأت العمولة تزداد حتى وصلت إلى 15.5% بعد خمسة أشهر من الحرب".
تقول نجوى غانم، الموجودة حاليًا في ألمانيا: "بدأت بإرسال المال لأهلي في غزة بعمولة 5%، ثم بدأت العمولة تزداد حتى وصلت إلى 15.5% بعد خمسة أشهر من الحرب".
وتخبرنا أم نزار، المقيمة في الولايات المتحدة، بأن "العمولة تختلف من مكتب لآخر، أقلها 5٪، وأكثرها 30٪، خاصةً في مدينة غزة"، مضيفةً: "ناهيكم عن أن التسليم بالشيكل فقط، و بسعر 300 شيكل أحيانًا لكل 100$، ومن يدّعي أنه يراعي الناس ويخاف الله، يسلم 320 شيكلًا.
وتقول: "استلام أي حوالة بنكية، تتم عن طريق نقطة الصراف الآلي (ATM)، وهنا يُفترض أن يكون الاستلام بالسعر الرسمي، "سعر البنك"، لكن عندما تذهب إلى الجهاز الوحيد الذي يعمل جنوبي القطاع، تجد طابورًا طويلًا جدًا، وأحيانًا تُضطرُّ للذهاب ليلًا والمبيت هناك، حتى يبدأ موعد عمل جهاز الصراف التابع للبنك"، الذي يجب التنبيه إلى أنه لا يعمل على مدار الساعة.
وتكمل: "تخيلوا! هناك أناس وجدوا في هذه المحنة فرصة لجمع المال، ومهمتهم بيع "الدور" في الطابور للمضطرين! بالإضافة لعرض خدمة الوقوف عوضًا عنك في الطابور الطويل حتى يقترب دورك، ما يجعل المكان أكثر ازدحامًا",
وتجزم أم نزار، وجود أشخاص يفتعلون المشاكل أمام البنك "عمدًا"، لدفع المواطنين إلى الذهاب لمحلات الصرافة، وأخذ تحويلاتهم من هناك مقابل أي مبلغ أو عمولة، بدافع الحاجة والاضطرار، متابعةً: "محلات الصرافة ترفض تسليم المبلغ إذا كان أكثر من 500 دولار، ويعد الـ 1000 دولار مبلغًا كبيرًا، يمكن استلامه على دفعتين، والواسطة في هذا الأمر حدث ولا حرج".
ويرى محللون اقتصاديون أن هذه الأزمة تراكمية، وقد بدأت قبل الحرب، إلا أن الأخيرة تسببت بتدهور السيولة نتيجة تراجع دخل الفرد، والقروض والودائع، وهذا تسبب بانقطاع وانخفاض الرواتب، ما جعل التلاعب بالتحويلات أمرًا سهلًا.
يقول الصحافي الاقتصادي أحمد أبو قمر: "إن الحل مرتبط بالحل السياسي، والإطار السياسي لا يخدم التنمية الاقتصادية في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة"، مبينًا أن عودة تمويل القطاع الخاص، سيدعم بشكل كبير التنمية، وسيسهم في توفر السيولة.
ويرى أبو قمر، أن هناك مسؤولية حقيقية تقع على عاتق وزارة الاقتصاد، "إذ إن عليها التوقف عن استيراد السلع غير الضرورية التي تملأ الأسواق الآن، كالحلوى والمقرمشات التي تدخل بكميات كبيرة، ولا تجد إقبالًا بسبب ارتفاع أسعارها في ظل نقص السيولة، واستبدالها بالطحين والحليب على سبيل المثال".
ومن وجهة نظره، فإن سلطة النقد هي المسؤول الأول، "وعليها تنظيم عملية دخول الأموال، وترتيب ذلك بالتعاون مع البنوك، وحتى الآن هي تصدر تشريعات وملاحظات على ورق، ولا تعمل بشكل جدي لحل المشكلة" يزيد.
من جانبه، علق المحلل الاقتصادي عماد عكّوش على القضية بطرح اقتراحٍ للحل "ولو بشكلٍ مؤقت"، قائلًا: "علينا تعزيز الاستخدامات الإلكترونية من خلال إيداع العملات، وتعزيز العمل بين المصارف والشركات والتطبيقات التي تستخدم للتحويل، فإذا كانت المصارف مغلقة كما في قطاع غزة، يمكن استخدام العملات الرقمية، واستخدام الأشخاص العاملين في هذا المجال يعزز من تداول العملات، وتوفير السيولة".
وكانت سلطة النقد الفلسطينية، أصدرت الأسبوع الماضي بيانًا توضيحيًا، أكدت فيه "أن عددًا من فروع المصارف ومقراتها، تعرضت للتدمير نتيجة الهجمات الإسرائيلية المستمرة في مناطق متفرقة من قطاع غزة"، مشيرةً إلى تعذّر فتح ما تبقى من فروع، للقيام بعمليات السحب والإيداع في القطاع كافة، "ذلك بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة، وانقطاع التيار الكهربائي، والواقع الأمني في قطاع غزة".
تعهدت سلطة النقد بمتابعة "شكاوى السكان من قطاع غزة"، حول عمليات "ابتزاز" يقوم بها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة.
وتعهدت السلطة في بيانها بمتابعة "شكاوى السكان من قطاع غزة"، حول عمليات "ابتزاز" يقوم بها أشخاص وتجار وبعض أصحاب محلات الصرافة غير المرخصة، باستخدام أجهزة الخصم المباشر في نقاط البيع، أو التحويلات المالية على التطبيقات البنكية، مؤكدةً أنها ستدرس كل الخيارات الممكنة "لحماية حقوق المواطنين من أشكال الابتزاز".
وأعلنت سلطة النقد، أول أمس، توفير ما أسمته بـ "بدائل للتعامل بالكاش"، "لمساعدة المواطنين على تسديد التزاماتهم وتنفيذ معاملاتهم البنكية"، وذلك من خلال إطلاق نظام مجاني للمدفوعات والحوالات الفورية بين البنوك وشركات خدمات الدفع، "دون أن يتحمل المرسل أو المستفيد أي تكلفة"، وإتاحة إمكانية تنفيذ المدفوعات في الأسواق والبنوك وشركات خدمات الدفع باستخدام البطاقات البلاستيكية بواسطة ماكينات نقاط البيع، والتطبيقات البنكية باستخدام خاصية QR".
الإعلان الذي نُشر على صفحة سلطة النقد في "فيسبوك"، لاقى تفاعلًا واسعًا من قبل مواطنين في قطاع غزة، قابلوه باستهجانٍ كبير عبر عشرات التعليقات، إذ قالت أم محمد عبد الهادي: "ع أساس إحنا في أوروبا عايشين. الشراء كله من البسطات، كيف بدو يمشي نظامكم؟ (..) عملنا تطبيق بنك، ومحافظ إلكترونية وما فش سيولة، اتركوا الناس بهمها بكفي تضحكو عالعالم"، مشتكيةً عدم رد البنك الوحيد العامل في قطاع غزة على الاتصالات "التي قد تستمر لساعات على مدار وقت العمل الرسمي عبثًا".
وقال أبو فارس في تعليقه موافقًا أم محمد: "احنا بنشتري من بسطات! هذا إعلان شكله لأوروبا مش لأهل غزة". وعقبه تعليق عمار أبو عدي: "تعال اشتريلي كيلو بندورة... يا أبو التحويل"، فيما تساءل فادي: "طيب بتنفع هذه الآلية مع بياعين البسطات، وحرامية الكابونات، والخشب، وتعون الغاز بالسوق السوداء؟"، ليلحقه تعليق محمد المصري: "فكرتكم بتحكو عن أوروبا. ما ضل كهربا ولا نت ولا بضايع ولا متاجر، ولا حتى بني آدمين، مبسوطين وانتو مش قادرين توفرو سيولة لشعبكم اللي بتعرض لإبادة من 8 شهور؟".
ووفق إعلان السلطة، ففي حال عدم توفر الإنترنت، يمكن للمواطنين استخدام أنظمة الاتصالات المتحركة SMS وussd، لإجراء المراسلات مع البنوك وشركات خدمات الدفع، لتنفيذ الحوالات، مطالبةً المصارف والشركات بتعزيز مراكز الاستعلامات الهاتفية، لمساعدة المواطنين على الاستفادة من الخدمات الإلكترونية.
وللاستفادة من هذه الوسائل، دعت المواطنين إلى تثبيت تطبيقات البنوك التي يتعاملون معها، والمحافظ الإلكترونية لشركات خدمات الدفع على هواتفهم الذكية، وهو الأمر الذي أكد مواطنون من خلال تعليقاتهم أنهم طبقوه دون جدوى، نتيجة عدم توفر السيولة.