الحمل والولادة في غزَّة: حبال سريَّة تمزِّقها الحرب


تقرير: هدير (جهاد فاتن) البرقوني
لم يَرَ طفلُ "ذكرى" من الحياة إلا ليلةً كانت قطعةً من جهنَّم، إذ وُلِد ولادةً مبكرةً في أثناء القصف المدفعي على المستشفى التي اقتحمها جيش الاحتلال فيما بعد، لتحمله أمَّه وتركض في شوارع المدينة مُحاوِلةً إيجاد مأوى، قبل أن تدرك أنَّ وليدها الذي لم تمنحه اسمًا فارَقَ الحياةَ بين يديها.
تعيش النساء الحوامل في قطاع غزة، في ظل الحرب المتواصلة منذ نحو سبعة شهور، ظروفًا لا يمكن تصوُّر صعوبتها، فإضافةً إلى الموت والرعب والجوع والفقد والنزوح، تبدأ صعوبات أخرى منذ الشهر الأول للحمل، إذ لا رعاية صحية، ولا اختبارات دم، ولا فحوصات للتأكد من سلامة الجنين، ولا مياه صالحة للشرب، في بيئة عيش قد لا يتوفر فيها حتى فراش للاستلقاء، ما يعرِّض أكثر من 52 ألف امرأة حامل في القطاع للخطر، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. ومنذ اندلاع الحرب، ارتفعت معدلات الولادة المبكرة والقيصرية، وارتفعت معدلات الإجهاض ووفاة الأجنة بنحو 20%. وتؤكِّد "يونيسيف" أن أطفال آلاف النساء اللواتي من المقرر أن يلدن في القطاع معرَّضون لخطر الموت.
في ظلِّ انهيار النظام الصحي، تجري عمليات الولادة، حتى القيصرية منها، دون تخدير أو مسكنات ودون أدنى التجهيزات الأساسية، ما أكده بيان للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان ومؤسسة الحق، واضطُّر الأطباء أحيانًا إلى إجراء عمليات ولادة مبكرة بينما كانت الأم تحتضر، ليولد العديد من الأطفال أيتامًا.
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وُلد أكثر من 20,000 طفل في قطاع غزة حسب وزارة الصحة في غزة، غالبيتهم في مراكز الإيواء وسط ظروف قاسية جدًّا، خاصة مع خروج معظم المستشفيات عن الخدمة، ونقص الكادر الطبي، وغياب الأساسيات الضرورية لعملية الولادة، وأبسطها النظافة، ما يعرِّض الأم وطفلها لمخاطر صحية عديدة، فيما تلد نساء أخريات في الشوارع. وتخبرنا "حياة" أنها أنجبت طفلتها ليلًا في أحد مراكز الإيواء، ساعدتها جارتها الطبيبة النازحة على وضع جنينها على ضوء الهاتف المحمول، وقطعت الحبل السري بمقصِّ ورق.
لا تقتصر مخاوف النساء على الولادة ذاتها، بل تتجاوزها إلى محاولة الحفاظ على حياة أطفالهنَّ الرضع، إذ ثمة تهديد أكبر يعرِّض حياتهن وحياة أطفالهن للخطر، ويجعل الرضاعة الطبيعية مستحيلة، يتمثل بالجفافِ نتيجة شحِّ المياه، وبالفقرِ الغذائيِّ الحادِّ الذي يواجهه نحو 95% من النساء الحوامل والمُرضعات، وأكثر من 90% من الأطفال بين 6 أشهر و23 شهرًا، وفقًا لـ"يونيسف"، إلى جانب الغلاء الفاحش في أسعار المستلزمات الصحية، مثل الفوط الصحية النسائية وحفاضات الأطفال، ما اضطَّر النساء إلى استخدام الورق والكارتون وخرق القماش المستهلَك، وفاقم المعاناةَ والمخاطر.
مع كل ذلك، لا تَحصل النساء الحوامل والمرضعات في قطاع غزة على المساعدات الإنسانية الكافية في ظلِّ الحرب، وفي حال توفرها يصعب عليهنَّ الوصول إلى أماكن توزيعها بسبب أوضاعهن الاستثنائية، وتتدرَّج هذه الصعوبة تنازليًّا من مناطق المجاعة شمالًا حتى مناطق تكدُّس النازحين جنوبًا، وتختلف أشكالها. والمطلوب أن يراعيَ مقدِّمو الخدمات الإنسانية احتياجاتِ النساء فيما يتعلق بالحمل والولادة والرضاعة على وجهٍ خاص، وأن تشمل المساعداتُ الإنسانيةُ احتياجاتِهن. يتطلب ذلك جهدًا إنسانيًّا حياديًّا يوفِّر لهنَّ بالحد الأدنى:
وفي بيان لها في يوم المرأة العالمي، قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إنه في كل يوم تستمر فيه الحرب في غزة يتواصل قتل 63 امرأةً في الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، بينهن نحو 37 أمًّا تترك يوميًّا عائلتها وراءها. يأتي هذا في ظلِّ حربِ إبادةٍ إسرائيليةٍ متواصلة منذ نحو سبعة أشهر ضد القطاع، أجبرَت نحو مليونَي فلسطيني على النزوح، وخلَّفت 34,012 شهيدًا و76,833 جريحًا، على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال، ودمارًا هائلًا وكارثةً إنسانية. وتؤكِّد الهيئة أنه "فيما لا تستثني الحرب أحدًا، ... تَقتُل هذه الحربُ وتصيب النساءَ بشكل غير مسبوق".