غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"متى ستصحو وزارة الاقتصاد؟" كان أول سؤالٍ طرحه ممدوح توفيق (30 عامًا)، النازح وعائلته من مدينة غزة إلى رفح جنوبي القطاع، ضمن حالةٍ عارمة من السخط حول الدور "الركيك" -وفق تعبيره- للمؤسسة الحكومية، في الرقابة وإدارة الأزمة.
ويقول: "منذ بدأت الحرب، لم نسمع أن الوزارة لاحقت تجار الحروب، ولا ارتفاع الأسعار الجنوني، لقد تركت التجار يتحكمون بنا نحن الذين لم نُقتل بالقصف فقط، بل نقتل في اليوم مئة مرة، جوعًا وقهرًا وحرمانًا وعجزًا"، مضيفًا: "أنا معيلٌ لأسرةٍ فيها عدد من الجرحى، ولا أستطيع توفير معظم احتياجاتهم بسبب الغلاء، لا سيما وقد فقدتُ عملي ودخلي مع أول أشهر الحرب".
"قالوا إن علينا التسجيل في لجان الأحياء للحصول على الغاز، لكنني لم أحصل عليه أبدًا، وخذوا الكبيرة:لا أعرف أصلًا مكان اللجنة".
وتطرق إلى موضوع "غاز الطهي" فأكد أنه لم يستطع الحصول عليه أصلًا، ولجأ إلى الحطب مع أفراد أسرته لتدبير شؤونهم المعيشية منذ أول أيام انقطاعه، متحملًا الأمراض الناجمة عن ذلك، مردفًا بنبرة قهر: "قالوا إن علينا التسجيل في لجان الأحياء للحصول على الغاز، لكنني لم أحصل عليه أبدًا، وخذوا الكبيرة: أنا أصلا لا أعرف مكان اللجنة، وأراه يباع فقط في السوق السوداء بأسعار مرعبة".
مشاعر توفيق، هي حالةٌ عامة، تخيم على كافة مواطني قطاع غزة، منذ إعلان "إسرائيل" حربها في السابع من تشرين أول/ أكتوبر للعام 2023م.
سخطٌ كبير، وشكاوى لاحقت الوزارة فيما يتعلق بدورها التنظيمي والرقابي في الأسواق، وعلاقتها بالتجار، تحديدًا "تجار الحرب" وفقًا لوصف كل من التقتهم معدّة هذا التقرير، وتساؤلاتٌ حول ضعف نزاهة العمل في نقاط البيع التابعة للوزارة وموظفيها، وتأثير ذلك في تثبيت مكانة السوق السوداء عبر ضخ بعض أنواع السلع، وعلى رأسها المحروقات، مثل السولار والغاز الطبيعي.
حول نقاط الغاز، تحدث أيضًا رائد (الذي اكتفى بذكر اسمه الأول)، وهو نازحٌ جنوبي قطاع غزة، ورب أسرة مكونة من 6 أفراد.
أكد رائد ما أورده ممدوح توفيق (في بداية التقرير)، حول ضعف دور الوزارة في الرقابة، ومساهمة من أسماهم "مندوبيها"، في خلق وتثبيت فكرة "السوق السوداء". وقال: "لا توجد عدالة بالتوزيع في نقاط بيع المحروقات، لا يمكن تعبئة الغاز مثلًا دون واسطة، وبسعرٍ عالٍ جدًا، وهذا مؤشرٌ مهمٌ على فساد ينخر عظام هذه المؤسسة الحكومية".
"أي مساعدات تأتي للمؤسسات تواجه عقبات كثيرة، من ضمنها طلب الوزارة لنسب معينة على أي شيء عند المعبر، وشرطها توزيعه تحت إشراف طواقمها".
وتقول تهاني قاسم (40 عامًا)، التي تعمل في إحدى المؤسسات الأهلية: "من تجربتنا مع وزارة الاقتصاد، فإن أي مساعدات تأتي للمؤسسات تواجه عقبات كثيرة، من ضمنها تضييق الخناق على الواردات، وطلب الوزارة لنسب معينة على أي شيء عند المعبر، ناهيكم عن شرطها بتوزيعه تحت إشراف طواقمها، رغم أن هذا دور منوط بالمؤسسات صاحبة العلاقة".
وأردفت بالقول: "حتى عندما حاولنا شراء الطلبيات من التجار هنا، كانت الأسعار عالية جدًا، ولما سألناهم عن السبب أكدوا أن الوزارة تفرض نسبة على أي شيء يستوردونه، وهذا بطبيعة الحال يرفع تكلفة البضائع، وبالتالي يزيد السعر على المواطن الذي يكون هو المتضرر في النهاية".
يوافقها الرأي أبو فؤاد (46 عامًا) الذي خاف من الملاحقة فاكتفى بذكر كنيته. إذ قال بغضب: "أصبح الأمر وكأن المواطن يتحمل فاتورة الحرب كلها! الضرائب مضاعفة، والوزارة تشارك التاجر في البضاعة من خلال حصص خاصة بها، تبيعها في أماكن تسميها (نقاط بيع تابعة للوزارة)".
ويكمل: "خارج هذه النقاط، يبيع التاجر السلعة بأسعار مضاعفة، فيضطر المواطنون ساعتها للشراء من نقاط البيع الرسمية تلك، فيتزاحمون أمامها بطريقة صعبة على النفس"، معبرًا عن سخطه على لجان حماية المستهلك، التي شُكلت لمراقبة الأسعار، "ويا للأسف، تستقوي على الباعة الصغار في الشارع، فيما تترك أصل المشكلة وهم التجار الكبار والمتنفذين في الوزارة".
وتحدثت أصواتٌ من شمال قطاع غزة، عن غيابٍ تامٍ للوزارة خلال فترة ما قبل بدء التدفق المحدود للمساعدات هناك.
وحسب أبو محمد (35 عامًا)، فمنذ أن بدأت البضائع تدخل غزة، فرضت الوزارة نسبة 10% من قيمة البضاعة كضريبة. "تؤخذ عينيًا من البضاعة نفسها، أو نقديًا بما يساوي نفس القيمة" يقول.
وفي الوقت الذي كانت فيه أسعار الدقيق خيالية، تتجاوز في بعض الأحيان الألف وخمسمئة شيكل، يزيد أبو محمد: "كانت الوزارة نائمة"، مردفًا: "وكان بعض موظفي الوزارة يتاجرون بدقيق المساعدات، ويفرضون أسعارًا عالية، فخلقوا بالفعل سوقًا سوداء تعتمد الأسعار فيها على حسب علاقتهم بالمُشتري، إذا كان من المعارف، أو من أصحاب المناصب، أو النفوذ".