موقف ائتلاف أمان من تشكيل لجنة وطنية للإصلاح الإداري
يتابع الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) قرار الرئيس محمود عباس بتشكيل لجنة وطنية للإصلاح الإداري باهتمام بالغ؛ نظرا للحاجة الفعلية لإجراء إصلاح جدّي وجوهري في أجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية بهدف معالجة الإشكاليات والاختلالات القائمة، بالاحتكام لقواعد القانون الأساسي الفلسطيني وقيم وثيقة الاستقلال والممارسات الفضلى في إدارة الحكم.
يشير قرار الرئيس بتشكيل لجنة وطنية للإصلاح بوضوح إلى إدراكه بأن النظام الإداري والمالي والأمني الحالي بحاجة للمراجعة والإصلاح، الأمر الذي يتطلب التوقف والتدقيق والفحص بعمق لواقع وطبيعة الاختلالات في بنية وتشريعات النظام السياسي برمته، وبشكل خاص المؤسسات التي تعمل دون وجود قانون ناظم أو هيكليات معتمدة مثل الأجهزة الأمنية والمحافظين والهيئة العامة للبترول أو دون لوائح تنفيذية أو أنظمة مثل المحكمة الدستورية، وتحديد آليات إصلاحها وترشيق هيكليات السلطة الوطنية الفلسطينية وترشيد نفقاتها وتحسين أدائها، في ظل الواقع المالي الصعب للسلطة الناجم عن استمرار وجود عجز في الموازنة العامة السنوية، إضافة إلى ارتباط ذلك بالضغوطات الخارجية المطالبة بالإصلاح إلى جانب المطالبات الداخلية بذلك.
بادر ائتلاف أمان بالمطالبة بالإصلاح الشامل في مؤتمره السنوي المُنعقد نهاية شهر آب/ أغسطس 2021، والذي جاء تحت عنوان ( التجربة الفلسطينية في نزاهة الحكم ومكافحة الفساد السياسي)، مشددا على أن الوضع الحالي بات خطيرا، وأنه بحاجة ماسة لإصلاح هيكلي جدّي في السلطة الوطنية الفلسطينية، خصوصاً في ظل تعطل عملية التداول السلمي للسلطة ووقف عملية الانتخابات كآلية ديمقراطية للوصول إلى السلطة، مروراً بضعف الشفافية والتشاركية والنزاهة في ممارسة الحكم، ووصولاً إلى إضعاف الرقابة الرسمية على السلطة السياسية باعتبارها مؤثراً أساسياً في النظام السياسي، ناهيك عن الاعتراضات على ممارسات قمعية شملت إجراءات توصف بأنها تعدّي على الحريات العامة والحقوق الاساسية، الأمر الذي عجّل من التدهور المتواصل في نزاهة الحكم والتدحرج السريع باتجاه نظام سياسي شمولي وسلطوي مترافق مع استمرار الانقسام السياسي.
يرى ائتلاف أمان أن عملية الإصلاح ينبغي أن تُركز على القضايا التي تضمنتها في معظمها أجندة السياسات الوطنية والخطة الوطنية للتنمية المعتمدة من قبل الحكومة والتي تتمثل بما يلي:
أولاً: تجسيد الممارسة الديمقراطية في دولة فلسطين، وذلك من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية ودورية على المستويات كافة، وتعزيز احترام مبادئ التعددية وعدم التمييز وصون الحقوق والحريات الأساسية للمواطن.
ثانياً: وصول المواطنين للعدالة من خلال ضمان نزاهة النظام القضائي واستقلاليته وفاعليته، وتعزيز تنفيذ الأحكام القضائية.
ثالثاً: تعزيز العدالة الاجتماعية وسيادة القانون، وذلك من خلال تبني سياسات لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة من خلال إصدار قانون عادل للضمان الاجتماعي وتطوير المسؤولية الاجتماعية ومأسستها وتعزيز الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أهمية وضع سياسات صحية شاملة ذات جودة عالية وتوفير خدمات الرعاية الصحية الشاملة وإتاحتها للجميع، الأمر الذي يتطلب إصلاح نظام التأمين الصحي العام وتعزيز الاستدامة المالية لنظام الرعاية الصحية.
رابعاً: اعتماد الشفافية، وضمان الحق في الوصول للمعلومات، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية المالية والإدارية، وتعزيز فعّالية المؤسسات العامة واستجابتها لاحتياجات المواطنين، وذلك من خلال تفعيل المساءلة في العمل الحكومي ومكافحة الفساد، وإطلاق بوابة الحكومة الالكترونية لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين من خلالها، وتعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
خامساً: كفاءة وفعالية إدارة المال العام، وترشيد النفقات، وإصلاح نظام التقاعد لموظفي القطاع العام، واعادة هيكلية المؤسسات العامة باتجاه عملية إلغاء البعض منها أو الدمج لتعزيز كفاءتها في تقديم الخدمات وإنشاء مؤسسات مزودي الخدمات العامة الأساسية سيما خدمات الاتصالات والنقل الحكومي.
سادساً: توفير الأمن والأمان للوطن والمواطن وتعزيز سيادة القانون وذلك بالتركيز على حوكمة قطاع الأمن وتعزيز القدرة على الاستجابة للكوارث وإدارة الأزمات.
سابعاً: إحداث تغييرات في شغل المناصب العليا في النظام السياسي بما يكفل النزاهة والشفافية في الوصول إليها وفقا للكفاءة ومبدأ تكافؤ الفرص، ووجود لجنة جودة الحكم للرقابة على هذه التعيينات، ومدى الالتزام بمدد البقاء في الوظائف وفقاً للقانون، وبشكل خاص للسفراء والمحافظين وقادة الأجهزة الأمنية ورؤساء المؤسسات العامة الحكومية وغير الحكومية.
ثامناً: إعادة النظر في بنية مؤسسات الإعلام العمومي وخطابه بما يعبر عن تطلعات وهموم مختلف الشرائح الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني وآرائه السياسية، وبما يعزز الوحدة الوطنية باعتباره إعلاماً يعبر عن المواطنين كافة.
لذا يؤكد ائتلاف أمان على أن نجاح أي عملية إصلاح للنظام القائم على إدارة شؤون الدولة في فلسطين يتطلب ما يلي:
أولاً: تولّي لجنة وطنية الإشراف على عملية الإصلاح تتكون من شخصيات عامة؛ تتمتع بالنزاهة والحيادية والاستقلالية وبالخبرات الكافية أو من شخصيات عملت سابقا في الإدارة العامة، وتحظى بثقة واحترام المواطنين الفلسطينيين، بهدف تعزيز ثقة المواطنين بجدية الإرادة السياسية في عملية الإصلاح. إن اللجنة المُعلن عن تشكيلها بتركيبتها الحالية تعتبر لجنة حكومية فقط وليست مشكلة على صعيد وطني كونها لا تضم شخصيات من خارج العمل الرسمي ومن القطاعات المختلفة أيضاً، ما قد يثير التخوف من أن تكون عملية الإصلاح شكلية وليست جوهرية وأن تؤدي إلى استمرار ضعف نزاهة الحكم القائم وحماية أقطابه المتنفذين.
ثانياً: تحديد أهداف ومهام واضحة للجنة وسقف زمني لإنجازها لمهامها، فضلا عن تحديد آليات مساءلة واضحة على أعمالها، وأهمية اعتماد مبادئ الشفافية في عملها تجنبا لأي تضارب في المصالح وحقا للمواطن الفلسطيني في الاطلاع على مجريات عملية الإصلاح التي يجب أن يكون هدفها النهائي هو المصلحة والمنفعة العامة. فالمهام المذكورة بقرار تشكيل اللجنة عامة وفضفاضة؛ إذ اقتصرت على مراجعة القوانين والهيكليات دون فحص الممارسات. لذا يرى ائتلاف أمان أنه لا بد من تقييم وفحص ممارسات المسؤولين ومساءلتهم عن أية تجاوزات في استخدام المنصب العام أيضا.
ثالثاً: أن يتحمل مجلس الوزراء مسؤولياته في عملية الإصلاح فما جاء في قرار تشكيل اللجنة من مهام يتقاطع بشكل جلي وواضح مع مهام مجلس الوزراء الفلسطيني التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني وتحديدا في المادة (69).
وإذ يشدد ائتلاف أمان على الحاجة الحقيقية المُلحة لإصلاح النظام القائم وإنهاء الانقسام وإعادة الحياة الديمقراطية لفلسطين، فإنه يؤكد على ضرورة إعادة النظر بالجهة المُكلفة بذلك وتحديد الأهداف والأولويات وفقا لما تضمنته هذه الرسالة كي لا تنتهي هذه الفرصة إلى تكريس هيمنة مراكز النفوذ الذي سيؤدي إلى مزيد من الانزلاق في مستنقع الفساد السياسي.